الدول التي تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية: تحليل شامل ودقيق

تُعد قضية الصحراء الغربية من أبرز النزاعات الإقليمية التي استمرت لعدة عقود، وأثرت بشكل كبير على الاستقرار السياسي في شمال أفريقيا. الصحراء الغربية، تلك المنطقة التي تمتد على ساحل المحيط الأطلسي جنوب المغرب، كانت محور نزاع بين جبهة البوليساريو والمغرب منذ انسحاب إسبانيا في عام 1975. هذا النزاع لم يكن فقط مسألة حدود أو أراض، بل حمل في طياته أبعاداً سياسية، دبلوماسية، وإقليمية، عكست تحولات كبيرة على الساحة الدولية.

منذ بداية النزاع، تبنّت الأمم المتحدة موقفاً يدعو إلى حل سلمي يضمن تقرير مصير سكان الصحراء الغربية عبر استفتاء شعبي، لكن العقبات السياسية والمصالح الإقليمية جعلت من هذه العملية معقدة وصعبة التنفيذ. في هذه الأثناء، اتجه المغرب إلى تعزيز موقفه الدولي عبر كسب اعتراف دولي واسع بسيادته على الصحراء الغربية، وهو ما أسهم في تغيّر موازين القوى على الأرض وفي الساحة الدولية.

الخلفية التاريخية لقضية الصحراء الغربية

الصحراء الغربية كانت مستعمرة إسبانية حتى منتصف السبعينات من القرن العشرين، وبعد انسحاب إسبانيا وفق اتفاق مدريد عام 1975، انقسمت السيطرة عليها بين المغرب وموريتانيا، بينما أعلنت جبهة البوليساريو إقامة “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” التي تطالب بالاستقلال الكامل. بعد انسحاب موريتانيا عام 1979، أصبح المغرب الطرف المسيطر على الجزء الأكبر من الأراضي.

خلال العقود التالية، تطورت تحركات المغرب دبلوماسياً وعسكرياً بهدف ترسيخ سيادته على الصحراء، بينما واصلت جبهة البوليساريو نضالها السياسي والعسكري مدعومة من الجزائر وبعض الدول الأخرى. وقد شهد النزاع مراحل عدة من التوتر والمفاوضات، مع تدخلات دولية متعددة من بينها جهود الأمم المتحدة لإيجاد حل دائم.

استراتيجيات المغرب لتعزيز الاعتراف الدولي

بجانب القوة العسكرية والسياسية، سلك المغرب مساراً دبلوماسياً واسعاً لضمان تأييد عدد كبير من الدول لسيادته على الصحراء الغربية. ارتكز هذا المسار على عدد من المحاور الرئيسية:

1. الإقناع السياسي والدبلوماسي
   
   عمل المغرب على بناء علاقات قوية مع دول أفريقية وعربية وأوروبية وأمريكية، مستغلاً العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية. كما قام المغرب بإبراز مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها كحل واقعي ومقبول لحل النزاع، وهو طرح اكتسب تأييد بعض الدول والهيئات الدولية.

2. العضوية والاندماج في المنظمات الإقليمية والدولية
   
   سعياً لتعزيز موقفه القانوني والسياسي، انخرط المغرب في المنظمات الإقليمية والدولية مثل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، مستفيداً من شبكة علاقاته لحشد الدعم الدبلوماسي.

3. الضغط على الدول لدعم السيادة المغربية
   
   أُقيمت اتصالات مباشرة مع حكومات عدة لتشجيعها على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، عبر تبادل المصالح السياسية والاقتصادية، مع تقديم حوافز دبلوماسية وتجارية.

الدول التي تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية

في السنوات الأخيرة، شهدت قضية الصحراء الغربية تحولات مهمة على مستوى الاعتراف الدولي، خصوصاً بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر 2020، برئاسة دونالد ترامب، الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهو حدث له وقع كبير على الخريطة الدبلوماسية للنزاع. وبعدها، تبعتها دول أخرى أعلنت دعمها لهذا الموقف، سواء بشكل رسمي أو ضمني.

أبرز الدول التي تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية:

1. الولايات المتحدة الأمريكية
   
   في 10 ديسمبر 2020، أعلنت الإدارة الأمريكية الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ضمن اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل، مما شكّل تحولاً تاريخياً في الموقف الأمريكي الذي كان سابقاً محايداً.

2. عدد من دول أمريكا اللاتينية
   
   برزت دول مثل غواتيمالا، هندوراس، والسلفادور في دعمها لسيادة المغرب، عبر بيانات رسمية وتصريحات سياسية، نتيجة للعلاقات الدبلوماسية والاستثمارات الاقتصادية بين المغرب وهذه الدول.

3. دول أفريقية
   
   المغرب، الذي أعاد انضمامه إلى الاتحاد الأفريقي عام 2017، كسب تأييد عدد من الدول الأفريقية التي تعتبر دعمها للمغرب على الصحراء الغربية جزءاً من تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين المغرب وهذه الدول. من هذه الدول: السنغال، نيجيريا، كينيا، والنيجر.

4. دول عربية
   
   معظم الدول العربية تدعم الوحدة الترابية للمغرب، خاصة دول الخليج العربي مثل الإمارات العربية المتحدة، السعودية، البحرين، والكويت، حيث تعكس هذه المواقف التضامن العربي والسياسي مع المغرب في إطار قضايا الأمن والاستقرار الإقليمي.

5. دول أوروبية
   
   بعض الدول الأوروبية، رغم تباين مواقفها، أبدت دعمها للمقترح المغربي للحكم الذاتي على الصحراء كحل واقعي للنزاع. من بين هذه الدول فرنسا، التي تعد حليفا استراتيجيا للمغرب، بالإضافة إلى إسبانيا التي، رغم تاريخها الاستعماري، تعبر أحياناً عن دعم لجهود المغرب في حل النزاع.

6. دول آسيا وأوقيانوسيا
   
   دول مثل اليابان وأستراليا لم تصدر تصريحات رسمية صريحة بالاعتراف بسيادة المغرب، لكنها تتعامل مع المغرب باعتباره السلطة الحاكمة الفعلية على الصحراء الغربية في مختلف المجالات الدبلوماسية والتجارية.

توضيح عبر جدول يبين الدول التي تعترف بسيادة المغرب مع توقيت الاعتراف ونوع الاعتراف:

الأبعاد الجيوسياسية لاعتراف الدول بسيادة المغرب

يمثل الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية تحوّلًا مهمًا في السياسة الدولية، مرتبط بعدة عوامل:

• التحالفات الإقليمية والدولية: دعم بعض الدول للمغرب مرتبط بمصالح استراتيجية واقتصادية، خصوصاً فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، والتعاون الاقتصادي، وتأمين طرق التجارة.

• توازن القوى في شمال أفريقيا: الانحياز للدعم المغربي يقلل من فرص الانفصال ويحد من تأثير الجزائر وجبهة البوليساريو، مما يعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة.

• المبادرات السياسية والحلول السلمية: تأييد الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب يُنظر إليه كحل وسط يضمن الاستقرار والتنمية في المنطقة.

• الضغط على الأمم المتحدة: هذه الاعترافات الدولية تؤثر على الموقف داخل مجلس الأمن، وتحد من تأثير الدعوات لاستفتاء تقرير المصير وفق شروط جبهة البوليساريو.

التحديات التي تواجه المغرب رغم الاعتراف الدولي

على الرغم من توسع دائرة الدول التي تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، إلا أن النزاع لم يُحسم بشكل نهائي، وهناك عدة تحديات لا تزال قائمة:

• رفض الجزائر وجبهة البوليساريو: ما زالت الجزائر داعمة رئيسية لجبهة البوليساريو وتؤكد على حق تقرير المصير، مع استمرار حالة الجمود السياسي والعسكري.

• موقف بعض الدول الأوروبية: بينما فرنسا تدعم المغرب، تظل دول أخرى مثل إسبانيا مترددة، مع بعض الأصوات التي تدعو إلى دعم إجراء استفتاء تقرير المصير.

• الضغط الدولي المستمر: الأمم المتحدة لا تزال تدعو إلى حلول تفاوضية تشمل مشاركة جبهة البوليساريو، مما يحافظ على حالة التوتر وعدم اليقين.

• الوضع الإنساني: هناك تحديات كبيرة على صعيد حقوق الإنسان واللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف، والتي تؤثر على المناخ السياسي الدولي.

الخاتمة

إن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية من قبل عدد متزايد من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، يعكس تطورات دبلوماسية وسياسية عميقة أثرت في النزاع القائم منذ عقود. هذا الاعتراف لم يكن نتيجة لحظية، بل ثمرة جهود متواصلة ومتعددة الأبعاد شملت الحوار الدبلوماسي، التقارب الإقليمي، والعلاقات الدولية.

على الرغم من هذه المكاسب، يبقى النزاع في حالة توازن هش بين الأطراف، مع استمرار التوترات والتحديات الإقليمية والدولية. يظل الحل المستدام مرهوناً بمرونة الأطراف المعنية والقبول بمبادرات سياسية تعزز الأمن والاستقرار في شمال أفريقيا.

المصادر والمراجع

• تقرير مجلس الأمن الدولي حول الصحراء الغربية، الأمم المتحدة، 2023

• التحولات الدبلوماسية في شمال أفريقيا، مركز الدراسات الاستراتيجية، 2022